فصل: مسألة: قَسْمُ الصَّدَقَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِالشَّرِكَةِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُحْرَمَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ، وَيُعْطَى الْبَعْضُ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصِدَ صَرْفُهَا فِي بَعْضِ الْمَذْكُورِينَ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ إعْطَاؤُهَا بَعْضَ الْأَصْنَافِ كَمَا جَازَ إعْطَاؤُهَا بَعْضَ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَقًّا لَهُمْ جَمِيعًا لَمَا جَازَ حِرْمَانُ الْبَعْضِ وَإِعْطَاءُ الْبَعْضِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ حِينَ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعَمُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْطَلِقَ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ لِيَدْفَعَ إلَيْهِ صَدَقَاتِهِمْ؛ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفْعَ صَدَقَاتِهِمْ إلَى سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ.
وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ: «إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا»، وَلَمْ يَسْأَلْهُمَا مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ هُمَا لِيَحْسِبَهُمَا مِنْ الصِّنْفِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْفَقْرِ قَوْلُهُ: «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ، وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ، وَقَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَيُرَدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ»، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ هُوَ الْفَقْرُ؛ لِأَنَّهُ عَمَّ جَمِيعَ الصَّدَقَةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا اللَّفْظُ مَعَ مَا تَضَمَّنَ مِنْ الدَّلَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُسْتَحَقَّ بِهِ الصَّدَقَةُ هُوَ الْفَقْرُ، وَأَنَّ عُمُومَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ دَفْعِ جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْفُقَرَاءِ حَتَّى لَا يُعْطَى غَيْرُهُمْ، بَلْ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْت فَإِنْ قِيلَ: الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّهُ لَا بِالْفَقْرِ.
قِيلَ لَهُ: لَمْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَهَا صَدَقَةً، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الصَّدَقَةُ لِلْفُقَرَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ عِوَضًا مِنْ عَمَلِهِ لَا صَدَقَةً، كَفَقِيرٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهَا عِوَضًا عَنْ عَمَلٍ عُمِلَ لَهُ، وَكَمَا كَانَ يُتَصَدَّقُ عَلَى بَرِيرَةَ فَتُهْدِيه لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً لِلنَّبِيِّ، وَصَدَقَةً لِبَرِيرَةَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ قَدْ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا صَدَقَةً لَا بِالْفَقْرِ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَهَا صَدَقَةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَحْصُلُ صَدَقَةً لِلْفُقَرَاءِ فَيُدْفَعُ بَعْضُهَا إلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِمْ عَنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلْيُسْلِمُوا فَيَكُونُوا قُوَّةً لَهُمْ، فَلَمْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَهَا صَدَقَةً بَلْ كَانَتْ تَحْصُلُ صَدَقَةً فَتُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، إذْ كَانَ مَالُ الْفُقَرَاءِ جَائِزًا صَرْفُهُ فِي بَعْضِ مَصَالِحِهِمْ إذْ كَانَ الْإِمَامُ يَلِي عَلَيْهِمْ، وَيَتَصَرَّفُ فِي مَصَالِحِهِمْ.
فَأَمَّا ذِكْرُ الْأَصْنَافِ فَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ لِبَيَانِ أَسْبَابِ الْفَقْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَارِمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، وَالْغَازِي لَا يَسْتَحِقُّونَهَا إلَّا بِالْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّونَهَا هُوَ الْفَقْرُ.
فَإِنْ قِيلَ: رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ الْعَمِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ يَقُولُ: أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ، فَقُلْت: أَعْطِنِي مِنْ صَدَقَاتِهِمْ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ، وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا مِنْ السَّمَاءِ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك مِنْهَا» قِيلَ لَهُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ قَالَ: إنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك فَبَانَ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِلصُّدَائِيِّ بِشَيْءٍ مِنْ صَدَقَةِ قَوْمِهِ، وَلَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيِّ الْأَصْنَافِ هُوَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ» مَعْنَاهُ لِيُوضَعَ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا جَمِيعًا إنْ رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ، وَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ جَمِيعِهِمْ.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ تَخْلُو الصَّدَقَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِالِاسْمِ أَوْ بِالْحَاجَةِ أَوْ بِهِمَا جَمِيعًا، وَفَاسِدٌ أَنْ يُقَالَ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا كُلُّ غَارِمٍ، وَكُلُّ ابْنِ سَبِيلٍ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَوْ اجْتَمَعَ لَهُ الْفَقْرُ، وَابْنُ السَّبِيلِ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَهْمَيْنِ، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحَّ أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَاجَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: قوله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، يَقْتَضِي إيجَابَ الشَّرِكَةِ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ صِنْفٍ مِنْهَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَخَالِدٍ لَمْ يُحْرِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ، فَيُعْطِي صَدَقَةَ الْعَامِ صِنْفًا وَاحِدًا، وَيُعْطِي صَدَقَةَ عَامٍ آخَرَ صِنْفًا آخَرَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَجْرَى الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ هَلْ يَسْتَحِقُّهَا الْأَصْنَافُ كُلُّهَا، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ بَيَانُ حُكْمِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا، فَنُقَسِّمُ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَنَكُونُ قَدْ وَفَّيْنَا الْآيَةَ حَقَّهَا مِنْ مُقْتَضَاهَا، وَاسْتَعْمَلْنَا سَائِرَ الْآيِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا، وَالْآثَارَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلَ السَّلَفِ، فَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إيجَابِ قِسْمَةِ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةٍ، وَرَدِّ أَحْكَامِ سَائِرِ الْآيِ وَالسُّنَنِ الَّتِي قَدَّمْنَا.
وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا انْفَصَلَتْ الصَّدَقَاتُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِأَعْيَانٍ لِأَنَّ الْمُسَمِّينَ لَهُمْ مَحْصُورُونَ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ فِي مَالٍ مُعَيَّنٍ فَلابد مِنْ أَنْ يَسْتَحِقُّوهُ بِالشَّرِكَةِ.
وَأَيْضًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ لِلْمُسَمِّينَ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا جَائِزٌ إخْرَاجُ بَعْضِ الْمُوصَى لَهُمْ.
وَأَيْضًا لَمَا جَازَ التَّفْضِيلُ فِي الصَّدَقَاتِ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْوَصَايَا الْمُطْلَقَةِ، كَذَلِكَ جَازَ حِرْمَانُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ كَمَا جَازَ حِرْمَانُ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ، فَفَارَقَ الْوَصَايَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الصَّدَقَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِآدَمِيٍّ بِدَلَالَةِ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لِآدَمِيٍّ يَسْتَحِقُّهَا لِنَفْسِهِ، فَأَيُّ صِنْفٍ أُعْطِيَ فَقَدْ وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا، وَالْوَصِيَّةُ لِأَعْيَانٍ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَا مُطَالَبَةَ لِغَيْرِهِمْ بِهَا، فَاسْتَحَقُّوهَا كُلُّهُمْ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْآدَمِيِّ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ إطْعَامَ مَسَاكِين، وَلَوْ أَعْطَى الْفُقَرَاءَ جَازَ، فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُعْطِيَ مَا سَمَّى لِلْمَسَاكِينِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْوَصِيَّةُ مُخَالِفَةٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ لَمْ يُعْطَ عَمْرٌو. اهـ.

.فصل جامع للماوردي:

قال عليه رحمة الله:

.مسألة: قَسْمُ الصَّدَقَاتِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَقَسْمُ الصَّدَقَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ}، ثُمَّ أَكَّدَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَهِيَ سُهْمَانٌ ثَمَانِيَةٌ لَا تُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ أَهْلِهِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَستَحِقُّهِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ يُسْتَحَقُّ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا مَعَ وُجُودِ جَمِيعِهَا الأصناف في الزكاة. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ اقْتِصَارُ أَيِّ الْأَصْنَافِ شَاءَ، وَإِنْ دَفَعَ جَمِيعَ الزَّكَاةِ إِلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجَزَأَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْفَعُهَا إِلَى أَمَسِّ الْأَصْنَافِ حَاجَةً. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنْ كَثُرَتِ الزَّكَاةُ دَفَعَهَا إِلَى الْأَصْنَافِ كُلِّهَا، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ قَلَّتْ دَفَعَهَا إِلَى أَيِّ الْأَصْنَافِ شَاءَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَاسْتَدَلُّوا بِقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [الْبَقَرَةَ: 271] فَجَعَلَ تَخْصِيصَ الْفُقَرَاءِ بِهَا خَيْرًا مَشْكُورًا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ وَصَرْفِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَبِقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الْمَعَارِجِ: 24، 25] فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَفَرُّدِهِمْ بِهِ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ، وَبِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَجْزَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَيَّ بِصَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْتُدْفَعْ إِلَيْكَ فَأَطْعِمْ مِنْهَا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكُلْ أَنْتَ وَعَيَالُكَ بَقِيَّتَهَا، فَدَلَّ نَصُّ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ.
قالوا: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ بِالذِّكْرِ كَمَا خَصَّ الصِّنْفَ الْوَاحِدَ بِالذِّكْرِ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الصِّنْفِ وَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا؛ وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا صَدَقَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَا بَعْضُ الْفُقَرَاءِ فَجَازَ أَنْ يُخَصَّ بِهَا بَعْضُ الْأَصْنَافِ كَالْكَفَّارَاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَاتِ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي الزَّكَوَاتِ، قِيَاسًا عَلَى بَعْضِ الْفُقَرَاءِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ لَوِ اسْتَحَقَّ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سَهْمًا يَخُصُّهُ لَمَا جَازَ فِيمَنْ فُقِدَ أَنْ يُرَدَّ سَهْمُهُ عَلَى مَنْ وُجِدَ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَعَ فَقْدِ بَعْضِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ بَعْضِهِمْ.
قالوا: وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا سَدُّ الْخَلَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَمَّ بِهَا الْجَمِيعُ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَمِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَعْضِ الصِّنْفِ أَوْ مِنْ جَمِيعِهِ. وَدَلِيلُنَا قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التَّوْبَةِ: 60] الْآيَةَ. وَالدَّلِيلُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَافَ الصَّدَقَةَ إِلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بِلَامِ التَّمْلِيكِ وَعَطَفَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ وَكُلَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُمَلَّكَ اقْتَضَتِ الْإِضَافَةُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو. فَإِنْ قِيلَ: فَالْإِضَافَةُ إِلَى الْأَشْخَاصِ تُوجِبُ التَّمْلِيكَ لِتَعْيِينِ الْمَالِكِ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْأَوْصَافِ لَا تُوجِبُ التَّمْلِيكَ لِلْجَهَالَةِ بِالْمَالِكِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَزَيْدٍ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِإِنْسَانٍ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ. قِيلَ: قَدْ يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَصْنَافِ كَمَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْأَعْيَانِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ صَحَّ أَنْ يَمْلِكُوهُ كَمَا يَصِحُّ إِذَا أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ أَنْ يَمْلِكُوهُ.
وَالدَّلِيلُ الثَّانِي: مِنَ الْآيَةِ أَنَّ لِلْإِضَافَةِ وَجْهَيْنِ: تَشْرِيكٌ وَتَخْيِيرٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِيغَةٌ وَصِيغَةُ التَّشْرِيكِ الْوَاوُ كَقَوْلِهِ: أَعْطِ هَذَا الْمَالَ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو؛ فَيَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِيهِ وَلَا يَقْتَضِي تَفَرُّدَ أَحَدِهِمَا بِهِ. وَصِيغَةُ التَّخْيِيرِ تَكُونُ بأَوْ كَقَوْلِهِ: أَعْطِ هَذَا الْمَالَ لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي إِعْطَائِهِ لِأَحَدِهِمَا وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْإِضَافَةُ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ عَلَى صِيغَةِ التَّشْرِيكِ دُونَ التَّخْيِيرِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَيُحْمَلُ مِلْكُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ لِجَمِيعِ الصَّدَقَاتِ لَا لِكُلِّ صَدَقَةٍ مِنْهَا؛ فَنَدْفَعُ صَدَقَةَ زَيْدٍ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَصَدَقَةَ عَمْرٍو إِلَى الْمَسَاكِينِ وَصَدَقَةَ بَكْرٍ إِلَى الْغَارِمِينَ، قِيلَ هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَبِرُ هَذَا فِي الصَّدَقَاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ جَمِيعُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ عَلَى صَرْفِهَا كُلِّهَا فِي أَحَدِ الْأَصْنَافِ، فَلَا يُوجَدُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ هَذِهِ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَدَقَةٍ لِمَنْ سُمِّيَ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدُّورُ الثَّلَاثَةُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ كَانَتْ كُلُّ دَارٍ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا، وَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّ دَارٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَى زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ فَتَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ وَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ. فَأَخْبَرَ أَنَّهَا مَقْسُومَةٌ ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ وَأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى مِنْهَا إِلَّا قَدْرَ حَقِّهِ، وَهَذَا نَصٌّ لَا يُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ أُضِيفَ شَرْعًا إِلَى أَصْنَافٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْتَصَّ بِهِ بَعْضُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ كَالْخُمُسِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَوْ جُعِلَ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَعْدُهُ، فَوَجَبَ إِذَا جَعَلَ الْأَصْنَافَ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ كَالْوَصَايَا، وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ أَحَدُ أَصْنَافِ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْتَصُّوا بِهَا كَالْعَامِلِينَ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْآيَةِ تَفْضِيلُ الْإِخْفَاءِ عَلَى الْإِبْدَاءِ لِإِتْيَانِ الْمَصْرِفِ وَإِنَّمَا قُصِدَ بَيَانُ الْمَصْرِفِ فِي قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تِلْكَ، أَوْ تُحْمَلَ هَذِهِ عَلَى الْفَرْضِ وَتِلْكَ عَلَى التَّطَوُّعِ. وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ فِي ذَلِكَ حَقًّا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمْ فِيهِ حَقٌّ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ آَخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ: لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَإِنْ جَوَّزَ دَفْعَهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ صَرْفِهَا فِي غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَصْنَافِ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي «فُقَرَائِكُمْ» أَيْ فِي ذَوِي الْحَاجَةِ مِنْكُمْ وَجَمِيعِ أَهْلِ الْأَصْنَافِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ حَاجَاتُهُمْ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: الْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ عَوْدُ الصَّدَقَاتِ عَلَيْنَا وَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْتَبِدُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَنَا، فَحُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى مَقْصُودِهِ، كَالَّذِي رَوَاهُ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي سَائِمَةِ الْإِبِلِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةٌ لَبُونٌ، مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ. فَحُمِلَ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَخْذِ الشَّطْرِ إِنْ مَنَعَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيِّ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةَ بَنِي زُرَيْقٍ كَانَتْ وَقْفًا لَا زَكَاةً، فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلِيلٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْكَ حَقَّكَ مِنْهَا، أَوْ يَكُونُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا حَقٌّ فَيُعْتَبَرُ وَاحِدًا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ دَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الصِّنْفِ جَازَ دَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ فَهُوَ أَنَّ دَفْعَهَا إِلَى بَعْضِ الصِّنْفِ تَخْصِيصُ عُمُومٍ فَجَوَّزْنَاهُ، وَدَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ نَسْخُ نَصٍّ فَأَبْطَلْنَاهُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِرَدِّ سَهْمِ مَنْ فُقِدَ مِنَ الْأَصْنَافِ عَلَى مَنْ وُجِدَ فَهُوَ بَاطِلٌ بِمِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعِ الرُّبُعَ، وَلَوْ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ سَدُّ الْخَلَّةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِبَعْضٍ سَدُّ الْخَلَّةِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبَعْضِهِ مَعُونَةٌ لِفَكِّ رِقَابِ الْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّاتِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا لَا بَعْضِهَا فَلَمْ يَسْلَمِ الدَّلِيلُ.